في السنوات العشرين منذ بدء الحرب الأميركية في أفغانستان، كان هناك جدل حول الرغبة في بناء الدولة، ومستويات القوات الكافية - من عشرات الآلاف إلى لا شيء على الإطلاق - وما هو الوقت والطريقة المناسبين للمغادرة. ولكن مع استكمال الولايات المتحدة انسحابها من أفغانستان في الأسابيع المقبلة، قبل الموعد النهائي المحدد في 11 سبتمبر بوقت طويل، لا يوجد ما يبشر بالخير على أي من جانبي الممر السياسي بشأن نقطة واحدة: الخطر من أن أفغانستان يمكن أن «تصبح مرة أخرى ملاذاً آمناً للإرهابيين».
إنها عبارة مألوفة تتكرر في كل خطاب يمثل نقطة تحول بالنسبة لمستقبل الأمة منذ عام 2001. لقد شجب الرئيس جورج دبليو بوش الملاذات الآمنة قبل الغزو. وفي إعلانه عن زيادة عدد القوات الأميركية في أفغانستان عام 2009، قال الرئيس باراك أوباما، إن شبح «وجود ملاذ آمن أكبر يمكن لتنظيم القاعدة أن يخطط منه لقتل المزيد من الأميركيين أقنعه بالتغلب على شكوكه بشأن المزيد من الجنود على الأرض».
وفي الشهر الماضي فقط، أكد القائم بأعمال مساعد وزير الدفاع لشؤون منطقة الهند والمحيط الهادئ، «ديفيد هيلفي»، للمشرعين أنه في خضم الانسحاب، يبذل البنتاجون قصارى جهده للتأكد من أن البلاد «لا يمكن أن تصبح مرة أخرى ملاذاً آمناً للإرهابيين الذين يهددون أمننا».
ولكن في الوقت الذي وصل فيه إلى وضع شبه أسطوري في الثقافة العسكرية الأميركية، فإن تهديد أن يخلق المتطرفون العنيفون ملاذاً آمناً آخر في أفغانستان - لا سيما عند استخدامه لتبرير استمرار وجود القوات الأميركية - مبالغ فيه، كما يقول المحللون. وأضافوا أنه على الرغم من أن المخاوف بشأن مصير النساء وأطفالهن والمترجمين العسكريين في مواجهة حكم «طالبان» المحتمل حقيقية للغاية، إلا أن خطر الملاذ الإرهابي قد يكون إحدي النقاط، على الأقل، التي ربما يكون فيها الأميركيون المهتمون بنتائج الحرب يعتمدون عليها بسهولة أكبر.
بادئ ذي بدء، لم تحدث هجمات 11 سبتمبر لأن «القاعدة» كان لديها مساحة آمنة في أفغانستان، بل لأن الولايات المتحدة فشلت في تنفيذ تدابير أمنية داخلية فعالة - وهي سلسلة من الهفوات المأساوية التي تم علاجها منذ فترة طويلة، كما يقول الملازم المتقاعد الكولونيل «دانيال ديفيس»، زميل بارز في مؤسسة «ديفينس بريوريتيز» البحثية. ويضيف ديفيس «لقد تم تحذير الأميركيين مراراً وتكراراً على مر السنين من أن (خسارة) أفغانستان ستؤدي إلى ملاذ آمن للإرهابيين وستكون لها عواقب وخيمة على أمن الولايات المتحدة.
هناك 72 منظمة إرهابية أجنبية مصنفة في مناطق شاسعة في جميع أنحاء العالم، وأنت تخبرني أن بلدنا في أمان من خلال وجود 2.500 جندي في أفغانستان؟». صحيح أنه في أواخر التسعينيات، كانت أفغانستان «رائعة للغاية» من حيث «حرية العمل الهائلة» للجماعات الإرهابية، كما يقول «دانييل بيمان»، الزميل البارز في معهد بروكينجز. ويوضح «كان هناك مال، تدريب متخصص - أكثر من مجرد ممارسة الهدف»، فضلاً عن «الإمكانات البيروقراطية»، والتي قد تتضمن عبور القادة، على سبيل المثال، بصحبة مقاتل محتمل يتحدث الفرنسية بطلاقة.
كان بإمكانهم استخدامه في عملية في بلد يتحدث الفرنسية».بالنسبة للجزء الأكبر، على الرغم من ذلك، بدلاً من رسم صورة لتخطيط عادي تم وضعه في معسكرات التدريب الأفغانية، يشير تقرير لجنة 11 سبتمبر إلى أن العقل المدبر للهجوم خالد شيخ محمد هو من وضع فكرة استخدام الطائرات كأسلحة أثناء تقاسمه شقة في مانيلا بالفلبين مع ابن أخيه، الذي شارك أيضاً بالتخطيط لهجمات إرهابية.
حتى قبل 11 سبتمبر، لم يكن لدى المسؤولين الأميركيين مشكلة كبيرة في معرفة مكان بن لادن، وأتيحت لهم فرص كثيرة لقتله، على الرغم من أنهم اختاروا عدم القيام بذلك. منذ ذلك الحين، تحسنت قدرة الولايات المتحدة على تحديد مواقع الإرهابيين وضربهم، حتى أولئك المختبئين في أماكن نائية، بفضل أنظمة الاستطلاع والمراقبة والاستخبارات التي تقدر بمليارات الدولارات، بما في ذلك الطائرات من دون طيار. ومن غير الواضح أيضاً ما إذا كانت «طالبان» ستسمح لتنظيم «القاعدة» بفرصة الاختباء في أفغانستان.
هناك قدر كبير من المعلومات الاستخبارية التي تظهر أن «طالبان» لم تكن تبتهج لهجمات «القاعدة» الإرهابية بل تسأل «ماذا يجري معهم؟»، بحسب «بيمان». لكن إذا فعلوا ذلك، يمكن للولايات المتحدة أن تضربهم. إن السماح بإتاحة ملاذ لـ«القاعدة» هو أيضاً الشيء الوحيد الذي قد يعيد إدارة بايدن إلى أفغانستان، الأمر الذي لا تريده «طالبان». والأهم من ذلك، أصبحت الولايات المتحدة تجيد مراقبة الحركات الإرهابية، بالمشاركة مع دول أخرى، كما يشير «بايمان». وقد دفعت هذه الإجراءات الشبكات الإرهابية إلى العمل في الخفاء.
خلال شهادته أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب في مايو، ألمح القائم بأعمال مساعد وزير الدفاع لشؤون منطقة الهند والمحيط الهادئ، «ديفيد هيلفي»، إلى هذه القدرات الأميركية. وقال: «لقد تعلمنا الكثير خلال العشرين عاماً الماضية في كيفية التعامل مع التهديدات الإرهابية العابرة للحدود. أعني، أنت تعلم أنه في كل مرة تقوم فيها برحلة تجارية أو تفتح حساباً مصرفياً، هناك الكثير من الأشياء التي تمكنا من القيام بها في جميع أنحاء الحكومة لفهم هذه التهديدات الإرهابية وملاحقتها ووصفها بشكل أفضل».
*كاتبة أميركية متخصصة في شؤون الدفاع والأمن القومي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»